أخبار

لاجئو سوريا في لبنان: معاناة شديدة ومخاوف من الترحيل

حزيران 20, 2011

لاجئو سوريا في لبنان: معاناة شديدة ومخاوف من الترحيل

 
منذ بضعة أسابيع لجأ إلى شمال لبنان عدد كبير من السوريين هرباً‮ ‬من الوضع ‬في بلادهم‮. ‬لكنهم يعانون في لبنان أيضا فهم ممنوعون من التنقل والعمل‮ ‬والتعاطي‮ ‬مع الإعلام. وهم مهددون بالترحيل بحجة أنهم دخلوا بشكل غير رسمي‮.
 
في‮ ‬الطريق من بيروت إلى شمال لبنان ازدحام سير عادي‮ ‬مثل كل أيام السنة،‮ ‬ولكن من طرابلس باتجاه القرى الحدودية الملاصقة لسوريا تخف حدة الازدحام،‮ ‬والمنازل المنتشرة على هضاب المنطقة تزداد وتخف حسب حجم البلدة التي‮ ‬تضمها.‬ وفي‮ ‬منطقة وادي‮ ‬خالد وقراها،‮ ‬المنطقة العشائرية المنتشرة بين لبنان وسوريا على حدود النهر الشمالي‮ ‬الكبير،‮ ‬عائلات لها أواصر أخوة وقرابة مع‮ ‬عائلات في‮ ‬قرى مقابلة في‮ ‬سوريا‮. ‬منزل كبير من طابق واحد،‮ ‬دهن جزء منه باللون الأخضر فيما بقي‮ ‬باقي‮ ‬المنزل‮ ‬يحمل لون الاسمنت،‮ ‬ تقطن‮ فيه ‬عدة عائلات:‮ عائلة ‬أصحاب البيت اللبنانيين والمكونة من سبعة أشخاص،‮ ‬ومعهم ثلاث عائلات من مصاهريهم اللاجئين من سوريا وتحديدا من حمص وتلكلخ‮.‬
 
يطلبون جميعاً‮ ‬عدم استعمال آلة التصوير أو كتابة الأسماء الحقيقية بسبب خوفهم مما قد‮ ‬يتعرضون له في‮ ‬حال عودتهم إلى سوريا أو ملاحقتهم‮ ‬من قبل القوى الأمنية اللبنانية،‮ ‬على حد قولهم‮.‬ ‬يروي‮ ‬نوار،‮ ‬قصة لجوئه من حمص إلى لبنان،‮ "‬بالصدفة كنت متواجداً‮ ‬خارج منزلي،‮ ‬عندما اقتحمته القوى الأمنية لإلقاء القبض عليّ‮ ‬بسبب نشاطي‮ ‬ومشاركتي‮ ‬في‮ ‬التظاهرات،‮ كان رجال القوى الأمنية ‬يفتشون المنزل بحثا عن أي‮ ‬خيط قد‮ ‬يوصلهم إليّ‮. ‬حطموا كل‮ ‬شيء حتى "أواني المؤونة"،‮ ‬وعندما سألتهم زوجتي‮ ‬عن السبب،‮ ‬ردوا قائلين‮ ‬"ربما هناك خائن أو عميل في‮ ‬داخلها"‮.‬
 
يتابع نوار "لم أعرف إذا كنت سأرى زوجتي‮ ‬وابني‮ ‬مرة ثانية،‮ ‬ودعتهم وكأنها المرة الأخيرة التي‮ ‬أراهم فيها،‮ ‬انتقلت من بيت إلى بيت لحوالي‮ ‬الشهر،‮ ‬قبل أن‮ ‬يقترح عليّ‮ ‬أصدقائي‮ ‬الذهاب إلى لبنان‮. ‬رحلة لن أنساها في‮ ‬حياتي،‮ ‬بعد أن قضيت‮ ‬48‮ ‬ساعة‮ ‬بالهرب بين القرى حتى وصلت إلى لبنان"‮.‬ ويضيف‮ "في‮ ‬إحدى اللحظات تمنيت البقاء على الحدود اللبنانية السورية،‮ ‬حالة من الحنين الجارف إلى ما تركته خلفي،‮ ‬أردت العودة،‮ ‬لكن ذلك كان مستحيلاً‮. ‬رافق ذلك شعور بالقلق،‮ ‬فبعد أيام من وصولي‮ ‬إلى لبنان والخوف من اعتقالي‮ ‬من قبل السلطات الأمنية اللبنانية لتسليمي‮ ‬إلى أجهزة المخابرات السورية،‮ ‬شعرت بغربتي‮ ‬عن مكان ظننت أنه صديق وحلمت بزيارته‮ ‬يوماً‮ ‬وإن لم‮ ‬يكن بهذه الظروف"‮. 
 
المؤسسات الحقوقية اللبنانية وأعداد اللاجئين
 
يقول نبيل الحلبي،‮ ‬وهو محام متخصص بالقانون الإنساني‮ ‬الدولي‮ ‬ومدير‮ "‬المؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان‮"، لدويتشه فيله ، ‬إنه من الصعب إحصاء‮ ‬أرقام اللاجئين من سوريا بشكل دقيق، لأن الدولة اللبنانية لم تقم بوضعهم في‮ ‬مكان واحد كما حصل في‮ ‬تركيا والأردن،‮ ‬بل توزعوا على بيوت الأهالي‮ ‬والأقرباء في‮ ‬منطقة واسعة‮.‬
 
وبحسب الحلبي،‮ ‬فإن الأرقام‮ ‬غير الرسمية للاجئين تشير إلى أنه بلغ‮ ‬في‮ ‬بداية الاحتجاجات في‮ ‬حمص وتلكلخ حوالي‮ ‬الألفي‮ ‬لاجئ ثم ازداد ليصل‮ ‬إلى‮ ‬10000‮ ‬لاجئ في‮ ‬ذروة الأحداث الأمنية وخاصة بعد اجتياح الدبابات السورية لبلدة تلكلخ والقرى المحيطة بها،‮ ‬ثم هبط الرقم إلى حوالي‮ ‬4000‮ ‬لاجئ بعد أن هدأت ‬الأمور وعاد بعض اللاجئين إلى سوريا‮.
‬ويرى الحلبي‮ ‬أن العنف والقتل العشوائي‮ ‬والاعتقالات هي‮ ‬من أبرز الأسباب التي‮ ‬أدت إلى هذا التهجير،‮ ‬والفرار المفاجئ والعفوي،‮ ‬هو ما جعل اللاجئين‮ ‬يستخدمون المعابر‮ ‬غير الشرعية بسبب قربها الجغرافي،‮ ‬إضافة إلى أن عناصر الأمن على المعابر الشرعية السورية كانت تطلق النار على أي‮ ‬تحرك تراه على حدودها.‬
 
"انتهاكات من قبل السلطات الأمنية اللبنانية أيضا"
 
ويضيف الحلبي‮ ‬أن اللاجئين‮ ‬يتعرضون لانتهاكات كبيرة من قبل السلطات الأمنية اللبنانية،‮ ‬فهي‮ ‬تفرض حظراً‮ ‬على تحركاتهم إضافة إلى عدم فتحها تحقيقاً‮ ‬قضائياً‮ ‬بحضور ممثل عن المفوضية العليا للاجئين عن وضعهم القانوني‮ ‬ودخولهم الأراضي‮ ‬اللبنانية‮. ‬وبدلاً‮ ‬من ذلك،‮ ‬تعمد السلطات الأمنية اللبنانية إلى تطبيق قانون العقوبات اللبناني‮ ‬بحقهم وسجن كل من تلقي‮ ‬القبض عليهم وتحاول ترحيلهم ،وهو ما ‬يصفه الحلبي‮ ‬بالانتهاك الفاضح لحقوق الإنسان.
 
ويرى الحقوقي اللبناني أن هذا الأمر‮ "‬قد‮ ‬يكون محقاً‮ ‬في‮ ‬حال عدم وجود المسبب وهو العنف الذي‮ ‬أجبرهم على الفرار من سوريا‮". ‬ويتخوف ‬الحلبي‮ ‬من وجود‮ "‬نية مبيتة‮" ‬من قبل السلطات اللبنانية لإخفاء الحقيقة عن ملابسات لجوئهم إضافة إلى رفضها الاعتراف بهم بصفة‮ "‬اللاجئ‮" ‬كي‮ ‬تتهرب من واجباتها تجاههم‮. ‬وبحسب الناشط والحقوقي اللبناني ‬فإن هذا‮ الأمر ‬يعتبر تعديا فاضحا على حقوق الإنسان بحسب الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والاتفاقية الدولية لحقوق اللاجئين اللتين وقع عليهما لبنان‮.‬
 
ويطالب الحلبي بمنع إعادة اللاجئين إلى سوريا رغما عنهم،‮ ‬وتأمين منطقة آمنة لهم بعيدة عن الخطر،‮ ‬وإحصاء دقيق لعددهم،‮ ‬والسماح للمنظمات الدولية الإغاثية والحقوقية بزيارتهم على‮ ‬غرار ما يحصل في‮ ‬تركيا والأردن‮، مشددا على دور اليونيسيف في‮ ‬إعادة تأهيل الأطفال اللاجئين‮. ‬أما على صعيد المجتمع الدولي،‮ ‬فيدعو إلى الضغط على الحكومة اللبنانية لتطبيق تعهداتها الدولية،‮ ‬وتشكيل لجنة تحقيق دولية لزيارة أماكن‮ ‬اللاجئين واستجوابهم لرصد الانتهاكات التي‮ ‬حصلت معهم في‮ ‬سوريا ولبنان‮.‬
 
لاجئون‮.. ‬ولكن
 
لا تفارق عيني‮ ‬أم طلال الحدود اللبنانية السورية،‮ فهي هربت مع أولادها السبعة إلى وادي‮ ‬خالد من تلكلخ بعدما اجتاحها الجيش السوري. هي تنتظر زوجها الذي‮ ‬فضل البقاء والمشاركة في‮ ‬التظاهرات بعدما طلب من عائلته الرحيل خوفاً‮ ‬على سلامتها‮. ‬لا تتوقف عيناها‮ ‬الدامعتان من النظر إلى حيث تأمل أن تراه ‬يقترب منها فاتحا ذراعيه لضمها وأولادها، وتتمتم كأنها تتحدث إلى نفسها‮ "‬لا أعرف إذا كان فوق الأرض أو تحتها،‮ ‬يا ربي‮ ‬تعطينا الصبر‮". و‬تقول أم طلال‮ "‬لم‮ ‬يكن أمامنا خيار آخر،‮ ‬إما الموت أو الهرب‮". وتضيف لدويتشه فيله "‬نحن حوالي‮ ‬40‮ ‬شخصا في‮ ‬منزل‮ ‬يتكون من‮ ‬غرفتين‮. ‬الرجال‮ ‬ينامون في‮ ‬البساتين والنساء‮ ‬في‮ ‬المنزل". وتشكو أم طلال من قلة المساعدات التي لا تصل إلا مرة بالأسبوع قائلة "‬ينقصنا كل شيء‮"‮.
أبو محمد، لاجئ ‬هرب من بانياس مع عائلته المكونة من زوجته وأولاده التسعة بعدما اعتقل لشهر ونصف وتم تعذيبه، حسبما قال‮. ‬الخوف‮ ‬من البقاء في‮ ‬قريته واعتقاله مرة أخرى هو ما أتى به إلى لبنان،‮ ‬يقول‮ "‬هناك الوضع سيئ أمنياً‮ ‬وهنا الوضع سيئ إنسانياً‮ ‬واقتصادياً‮"‬.‮ ‬ويشير أبو محمد إلى أن أحد أولاده‮ ‬يعاني‮ ‬من مرض مزمن وهو لا‮ ‬يستطيع تأمين الدواء له،‮ ‬ويقول‮ "‬كل ثلاثة من أولادي‮ ‬ينامون على إسفنجة رقيقة لا تقيهم من برد الليل مما أدى إلى إصابتهم بأنواع من الربو والحساسية الصدرية‮".‬
 
الخوف من العودة
 
الخوف والرعب لا‮ ‬يفارقان وجه مرهف وكأنه ما زال داخل الأراضي‮ ‬السورية. ‬يقول‮ لدويتشه فيله "‬هربنا بلا أحذية كل شاب منا حمل ولدين من عائلته أو من عائلات أخرى‮. ‬قطعنا النهر وصرنا هنا‮". ‬ويضيف "‬يا ريت أستطيع العودة لأخفف من العبء الذي‮ ‬نتسبب به لأهالي‮ ‬المنطقة‮". ‬يسكت قليلاً‮ ويتابع "‬نحن خائفون فالنظام سيقتلنا ما أن تطأ أقدامنا أرض سوريا‮،لأنهم لا‮ ‬يريدون لقصص العنف والمجازر أن‮ ‬يعرفها الرأي‮ ‬العام‮".
على مقربة من البيت اللبناني‮ ‬الذي‮ ‬يسكن فيه مرهف،‮ ‬طفلان‮ ‬يبدوان وحيدين بلا أم ترعاهما أو أب‮ ‬يهتم بهما‮. ‬تقول سعاد اللاجئة إن هؤلاء أولاد من بلدتها. فقد ‬سمعت أنينا في‮ ‬الليل‮ ‬ينبعث من منزلهما في‮ ‬تلكلخ،‮ ‬وعندما تجرأت هي‮ ‬وزوجها على الدخول وجدت الطفلين ‬يبكيان أمام جثتي‮ ‬والديهما المشوهين في‮ ‬المطبخ،‮ ‬فهربتهما معها إلى لبنان‮. ‬الولدان مصابان بصدمة قوية كما تقول،‮ قد لا يجدان ما يعطيهما حنان الأم ولكنهما يبحثان عن سقف يحميهما ككل أطفال العالم.
 
دارين العمري ـ بيروت
مراجعة: أحمد حسو


مشاركة على:

اشترك بقائمتنا البريدية

اشترك بقائمتنا البريدية