لبنان: "مسودة مدونة لقواعد السلوك لقوى الأمن الداخلي". مشروع طموح يجمع بين نشطاء حقوقيين وعناصر أمنية
أيلول 29, 2010
أيلول (سبتمبر) 2010
بيار عطاالله .
بين الامن وحقوق الانسان معادلة متناقضة لا تستقيم ايجاباً حتى في ارقى المجتمعات، فكيف والحال في دول العالم الثالث، ولبنان منهما، يختلط فيها الحابل بالنابل وتضيع الامور بين متاهة حفظ الامن الداخلي والقومي والنظام العام، وقدسية احترام شرعة حقوق الانسان بمختلف تفاصيلها؟
جريدة النهار
هذه الهوة يبدو ان قوى الامن الداخلي في لبنان شرعت في العمل على ردمها، رغم إدراك المسؤولين عن ملف حقوق الانسان في الامن اللبناني ان الطريق طويل وان ثمة مسارا طويلا من عمليات التدريب والتأهيل قبل ان يصبح سلوك عناصر قوى الامن مطابقاً لشرعة حقوق الانسان ذات الابعاد العالمية، وعندها يستطيع لبنان ربما ان يفاخر بين دول العالم الثالث بقدرته على الجمع بين النقيضين الامن وحقوق الانسان.
امس دعا فريق العمل من اجل مشروع التخطيط الاستراتيجي وحقوق الانسان برئاسة العميد زهير كشلي، الى لقاء مع مؤسسات المجتمع المدني لعرض المسودة الاولية لـ"مدونة قواعد سلوك عناصر قوى الامن الداخلي"، التي جهدت قيادة قوى الامن منذ عام 2008 وبالتعاون مع السفارة البريطانية في اطلاق بداياته، وقد ساهمت مؤسسة NI-CO في ادارته وتنفيذه. اضافة الى الخبيرين الايرلنديين كولن ماكلين رئيس وحدة حقوق الانسان في شرطة ايرلندا الشمالية سابقاً و كيران اوماولين رئيس قسم الخدمات القانونية والسياسات في مفوضية حقوق الانسان في ايرلندا الشمالية واللذين اجريا تقويماً لاداء قوى الامن اللبنانية في مجال حقوق الانسان خلصا بنتيجتها الى توصيات اعتمدت. واستناداً الى شروح الضباط في وحدة حقوق الانسان اللبنانية فإن قوى الامن لم تكتف بالايرلنديين القدماء في شؤون الامن ومكافحة الجريمة، بل استدعت الخبيرة الاسوجية كارين ديلن من اجل وضع خطة عمل لانجاز مدونة قواعد السلوك والبدء بتطبيقها ووضع خطة زمنية لانجازها واخراجها في شكلها النهائي.
أبرز بنود المسودة
في مقاربة الضباط المسؤولين في فريق التخطيط وحقوق الانسان، ان مشروع مسودة "مدونة قواعد السلوك" يهدف الى بلورة رؤية مؤسسة قوى الامن ان تكون على قدر آمال المواطنين، لجهة احترام حقوق الانسان والمعايير الاخلاقية التي على أفراد هذه المؤسسة التزامها أثناء أداء واجباتهم وفقاً للدستور اللبناني والمعايير الدولية. وهي تتدرج بدءاً من الالتزامات الشخصية لعنصر قوى الامن وواجباته المهنية، وصولاً الى واجبات الرئيس ومعايير النزاهة والاستقامة والتجرد والسلوك لجهة الحرص على اقامة أفضل العلاقات مع الآخرين وكسب ثقتهم وتعاونهم. والأهم في بند السلوك، الامتناع عن القيام بأي من أعمال التعذيب او المعاملة القاسية او اللاإنسانية او المهينة والتحريض عليها او التغاضي عنها اثناء اجراء التحقيقات او تنفيذ المهمات الموكلة الى قوى الامن، او ما يختصره احد بنود هذا الفصل "بالحزم دون غطرسة اثناء ممارسة الوظيفة". وهذا الامر يقود الى البند السابع الذي يعتبر ان الحق في الحياة مقدس وتالياً "يمتنع عن استخدام القوة الا في حالة الضرورة بعد استنفاد كل الوسائل غير العنفية المتاحة وفي حالات الضرورة القصوى بشكل يتناسب مع الخطر". وفي تفسير هذا البند، انه "يحظر على عناصر قوى الامن استعمال السلاح الا بعد اتخاذ تدابير الحيطة الممكنة واستنفاد كل السبل الاخرى. وفي التفسير ايضاً جملة نقاط، ابرزها ان الدفاع المشروع يفترض تعرضاً وفعلاً لمواجهته، ويشترط في فعل الاعتداء ان يكون واقعاً على النفس والمال وان يكون الخطر حالاً، اي قيد التنفيذ او على الاقل في مرحلة الشروع". والاهم في فعل الدفاع عن النفس ان يكون ضرورياً ومن شأنه منع الاعتداء او صده، وتشترط المسودة الانذار الواضح والصريح والمكرر بعبارة "قوى امن قف" للاشخاص الذين يحاولون الفرار من وجههم ولا ينصاعون للانذار، على ان يكون سَبَقَ محاولة الفرار او رافقها أدلة عامة او خاصة تؤكد ارتكابهم جناية او ترجحه".
حقوق المشتبه فيهم
الأهم، لا بل الاكثر حساسية واثارة في مسودة المدونة الكلام على "صون حقوق المشتبه فيهم والمحتجزين"، وهو موضوع مثير لاحتجاجات مؤسسات حقوق الانسان والمجتمع المدني نظراً الى ما تعتبره احتجازاً تعسفياً في حالات عدة والى الممارسات الكثيرة التي تشوب عمليات التوقيف والاعتقال والتحقيق لدى مختلف الاجهزة الامنية اللبنانية. ويشير البند الثامن من المسودة الى "حظر حجز حرية اي انسان إلا وفقاً للقانون، وتبليغ المشتبه فيه او المشكو منه فور احتجازه حقوقه المنصوص عليها في المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية. والتزام مدة التوقيف وفقاً لما ينص عليه القانون". ومعلوم ان هذا البند كان موضوع ملاحظة من ممثلي مؤسسات حقوق الانسان والمحامين الحاضرين الذين لم يغفلوا عن الاشارة الى المادة 108 الشهيرة والمرتبطة بمدة التوقيف للموقوفين والمعتقلين.
واشارت المذكرة التفسيرية للمسودة الى سلسلة خطوات في هذا الاطار، منها انه "يتوجب على عناصر قوى الامن تطبيق مبدأ قرينة البراءة الذي يقضي بأن كل متهم بريء حتى تثبت ادانته من المحكمة (المادة 11 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان). وان يأخذ عناصر قوى الامن في الاعتبار الحاجات الخاصة للشهود ويحرصوا على معاملة جميع الاشخاص المحتجزين لديهم بصورة انسانية كريمة والتشديد على عدم استعمال العنف او الضرب كأسلوب في التحقيق مهما تكن أنواع الجرائم المنسوبة اليهم، واعتماد الطرق القانونية والتقنيات العلمية في الحصول على الاعترافات او لإثبات ارتكاب الجرم".
وتستطرد مسودة المدونة في تفسير واجبات قوى الامن لجهة "اتخاذ التدابير اللازمة لحماية سلامة الموقوفين وتأمين العناية الطبية اللازمة لهم كلما لزم الامر وتسهيل اجراء مقابلتهم مع ذويهم وتأمين الحاجات الضرورية لهم وفقاً للقوانين". أما في حال الاحداث الموقوفين فيقتضي اعلام أهلهم او أولياء أمرهم والمسؤولين عنهم فوراً، ولا يجوز البدء بالتحقيق ما لم يكونوا حاضرين (...)". في اختصار وفي انتظار رأي المعنيين في المسودة لا بد من الثناء على فكرة المدونة ومشروعها الاستراتيجي فعلاً، ذلك ان تطبيقها يعني في ابسط الاحوال تحويل قوى الامن اللبنانية الى مستوى الشرطة في ارقى المجتمعات، الامر الذي يحتاج الى اعتماد مدونة السلوك في صيغة نهائية بعد ابداء ملاحظات المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الانسان عليها، على ان تلي ذلك المرحلة الاهم مستقبلاً لجهة اعادة تأهيل عناصر قوى الامن اللبنانية على هذا الخط البياني العام الذي ترسم معالمه بنود المدونة، لأن العبرة في التنفيذ